نعرب " بارح " مبتدأ ، وخبره : محمد .
وفي نفس الوقت نعرب " محمد " : اسم بارح ، وخبره : مسافرا .
فإذا قلت : كيف يكون مرفوع اسم الفاعل الناقص هو خبره في نفس الوقت ، مع أنه لا يتم المعنى به .
الجواب : نقول إنه لا يمنع مانع أن يكون مرفوع اسم الفاعل الناقص هو خبره في نفس الوقت . أما عدم تمام المعنى به ، فلم يكن حاصلا من الخبر ، وإنما من نقصان المبتدأ ، فهو اسم فاعل لفعل ناقص {1} ، والله أعلم .
ب ـ ما يتصرف تصرفا تاما ، وهو بقية أخوات " كان " .
مثال المضارع ، 54 ـ قوله تعالى : { ويكون الرسول عليكم شهيدا }2 .
ومثال الأمر قوله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط }3 .
واسم الفاعل : محمد كائن أخاك .
25 ـ ومنه قول الشاعر* :
وما كل ما يبدي البشاشة كائنا أخاك إذا لم تلفه لك منجدا
الشاهد قوله " كائنا " فهو اسم فاعل من كان الناقصة عمل عملها فرفع اسما تقديره : هو ، ونصب الخبر : أخاك .
والمصدر من كان : كون . نحو : سنلتقي غدا كونك موافقا .
ـــــــــــــــــــــــــ
4 ـ انظر حاشية الصبا على شرح الأشموني ج1 ص232 .
2 ـ 143 البقرة . 3 ـ 135 النساء . * الشاهد بلا نسبة .
26 ـ ومنه قول الشاعر* :
ببذل وحل ساد في قومه الفتى وكونك إياه عليك يسير
الشاهد قوله : كونك إياه ، فـ " كون " مصدر من كان الناقصة رفع اسما وهو : الضمير المتصل في " كونك " ، ونصب خبرا وهو : إياه .
وقس على ذلك بقية أخوات “ كان “ التامة .
حكم اسم كان وأخواتها ، وخبرهن من حيث التقديم والتأخير .
أولا ـ حكم الاسم : لا يجوز تقديم اسم كان وأخواتها عليها ؛ لأنه بمنزلة الفاعل من
الفعل ، فإذا تقدم الفاعل على فعله أصبح مبتدأ . نحو : محمد قام .
وكذلك إذا تقدم الاسم على الفعل الناسخ أصبح مبتدأ .
نحو : أحمد كان مسافرا ، وعليّ أصبح متفوقا .
ثانيا ـ حكم الخبر من حيث التقديم والتأخير .
لخبر الأفعال الناسخة ست حالات : ـ
1 ـ وجوب التأخير عن الاسم :
أ ـ إذا كانا متساويين في التعريف وخشي اللبس بينهما . نحو : كان محمد صديقي ، وأصبح يوسف جاري .
فإذا قدمنا خبر كان ، أو إحدى أخواتها في هذه الحالة على الاسم صار الخبر هو الاسم ، والاسم هو الخبر لذا وجب التأخير .
ب ـ يجب التأخير إذا كان الخبر مقصورا على المبتدأ بـ " إلا " المنفية ، أو بإنما .
55 ـ نحو : ما كان القائد إلا صديقا لجنوده .
ونحو : إنما كان القائد صديقا لجنوده .
2 ـ وجوب التقديم على الاسم ليس غير ، وذلك إذا كان في الاسم ضمير يعود على بعض الخبر شبه الجملة ، مع وجود ما يمنع تقدم الاسم على الحرف المصدري
56 ـ " أن " . نحو : سرني أن يكون في المنزل أصحابه .
ـــــــــــ
* الشاهد بلا نسبة .
فلا يصح أن نقول : سرني أن يكون أصحابه في المنزل . لئلا يعود الضمير على
متأخر لفظا ورتبة .
كما لا يصح تقديم الاسم على " أن " لئلا يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول {1} .
3 ـ أ ـ جواز تقديم الخبر على الاسم ، وذلك إذا أمن اللبس بأن كان الخبر نكرة والاسم معرفة .
57 ـ نحو قوله تعالى { وكان حقا علينا نصر المؤمنين }2 .
فـ " حقا " خبر كان تقدم على اسمها " نصر " المعرف بالإضافة .
ب ـ جواز تقديم الخبر على الفعل الناسخ واسمه .
58 ـ نحو : مبالغا كان محمد في حديثه .
وعلة التقديم يرجع إلى : جواز تقديم معمول الخبر على العامل .
59 ـ كما في قوله تعالى : { وأنفسهم كانوا يظلمون }3 .
فـ " يظلمون " في محل نصب خبر كان ، وأنفسهم مفعول به ليظلمون ، وقد تقدم المفعول به على كان العاملة النصب في الخبر “ يظلمون “ فمن باب أولى أن يتقدم الخبر على الفعل الناسخ .
4 ـ يجب تقديم الخبر على الفعل الناسخ واسمه ؛ إذا كان الخبر من الأسماء التي لها الصدارة في الكلام كأسماء الاستفهام ، والشرط ، وكم الخبرية .
نحو : أين كان والدك ، ومن كان يحترمك فاحترمه ، 60 ـ وكم طالب كان رسوبه بسبب الإهمال .
ويستثنى في هذه الحالة من الأفعال الناقصة " ليس " ؛ لأن خبرها لا يجوز أن يسبقها على الوجه الصحيح .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التوضيح والتكميل لشرح ابن عقيل ج1 ص202 الهامش .
2 ـ 47 الروم . 3 ـ 177 الأعراف .
5 ـ وجوب التقدم على الفعل ، واسمه ، أو التوسط بينهما ، وذلك إذا كان الاسم متصلا بضمير يعود على بعض الخبر ، ولم يكن ثمة ما يمنع من التقدم على الفعل . نحو : كان في الحديقة زوارها ، وأمسى خادمَ فاطمة زوجها .
بنصب " خادم " على أنه خبر أمسى مقدم عليها .
6 ـ ويمتنع تقدم الخبر على الفعل واسمه ، غير أنه يجوز التوسط بينهما ، أو التأخر عنهما ؛ وذلك إذا كان الفعل مسبوقا بأداة لها الصدارة في الكلام ، ولا يجوز الفصل بين الأداة ، وبين الفعل . نحو : هل صار العجين خبزا ؟
فلا يجوز تقدم الخبر على " هل " ؛ لأن لها الصدارة ، فلا يصح أن نقول : خبزا
هل صار العجين ، ولا على " كان " لئلا نفصل بين هل والفعل ، فلا يصح أن نقول : هل خبزا صار العجين ؟
ولكن يجوز أن نقول : هل صار خبزا العجين . بعدم وجود المانع من التوسط .
تنبيه : يستثنى من الأحكام السابقة أخبار : مادام ، وما زال ، وما فتئ ، وما برح ، وما انفك ، و" ليس " في بعض الحالات .
أحكام أخبار : ما دام وما زال ، وأخواتها ، وليس .
1 ـ حكم خبر ما دام :
أ ـ منع بعض النحاة تقدم خبر ما دام على اسمها ، فلا يصح أن نقول : امتنعت من الحضور ما دام حاضرا محمد .
والصحيح جواز التقديم ، والشاهد على ذلك 27، ـ قول الشاعر* :
لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادِّكار الموت والهرم
الشاهد قوله : مادامت منغصة لذاته . حيث قدم خبر ما دام وهو " منغصة " على اسمها وهو
" لذاته " .
وفي ذلك نظر لأنه يجوز في اسم ما دامت الإضمار ، والتقدير : ما دامت هي يعود على الذات
الآتية ، وإن كان الضمير قد عاد على متأخر ، وليس في ذلك ما ينكره أحد ، فقد ورد في
61 ـ قوله تعالى : { فأوجس في نفسه خيفة موسى }1 .
فالضمير في " نفسه " عائد على موسى المتأخر عنه .
وبذلك تكون " منغصة " خبر ما دام مؤخرا على اسمها ، و " لذاته " نائب فاعل لاسم المفعول " منغصة " ، وعليه لا شاهد في البيت على جواز تقديم خبر ما دام على اسمها وهو مذهب ابن معط .
ب ـ يمتنع تقديم خبر ما دام عليها ، فلا يجوز أن نقول : سأنتظرك قادما ما دمت .
ولن أصحبك موجودا ما دام أخوك .
واجاز البعض التقديم على " ما " وحدها . فنقول :
لن أصحبك ما موجودا دام أخوك ، وفيه تكلف .
2 ـ حكم خبر الأفعال المسبوقة بـ " ما " النافية : ما زال وأخواتها .
لا يجوز تقدم الخبر على هذه الأفعال ، إذ لا يصح أن نقول :
منهمرا ما زال المطر . بنصب " منهمرا " على أنه خبر ما زال .
غير أن بعضهم أجاز التقديم ؛ إذا كان النفي بغير " ما " ، كأن يكون بـ " لم " وسواها . نحو : قائما لم يزل محمد . وفيه نظر ؛ لأن أغلب النحاة على منعه .
3 ـ حكم خبر ليس :
أ ـ اختلف كثير من النحاة على منع تقدم خبر ليس على اسمها ، ولم يجيزوا ذلك ،
فلا نقول : ليس موجودا محمد ، وليس مسافرا علي .
والصحيح الجواز فقد ورد في ، 62 ـ قوله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم }2 .
بنصب البر على أنها خبر ليس مقدم ، واسمها المصدر المؤول من أن والفعل تولوا ، والتقدير : ليس البر تولية وجوهكم .
ــــــــــــ
1 ـ 67 طه .
2 ـ 177 البقرة .
28 ـ ومنه قول السموءل بن عدياء :
سلي ـ إن جهلت ـ الناس عنا وعنهم فليس سواء عالم وجهول
فـ " سواء " خبر ليس مقدم ، و " عالم " اسمها مؤخر .
ب ـ كما اختلفوا حول تقدم خبرها عليها ، وعلى اسمها ، وقال أكثرهم بالمنع ، فلا يصح أن نقول : قائما ليس زيد .
وأجازه البعض على اعتبار جواز تقديم معمول الخبر على الفعل الناسخ كما ذكرنا سابقا ، واستدلوا 63 ـ بقوله تعالى : { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم }1 .
فـ " يوم يأتيهم " معمول الخبر " مصروفا " تقدم على ليس ، ولا يتقدم المعمول إلا حيث يتقدم العامل ، وهو من باب أولى ، وفيه خلاف ، والله أعلم .
مواطن حذف كان .
1 ـ تحذف كان وجوبا دون اسمها وخبرها بالشروط الآتية : ــ
أن تقع " كان " صلة لأن المصدرية ، ويعوض عنها بـ " ما " الزائدة مع دغمها بـ " أن " . نحو : أمّا أنت مسافرا سافرت .
29 ـ ومنه قول عباس بن مرداس :
أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع
الشاهد في البيت قوله : أمّا أنت ذا نفر
فـ " أمّا " هي " أن " المصدرية المدغمة في " ما " الزائدة النائبة عن