الأربعاء, ديسمير 22, 2004
مبارك فى عيد العلم : العلم ركن أساسى لبناء الدولة العصرية ومواجهة التحديات
شهد الرئيس محمد حسني مبارك صباح أمس الاحتفال بعيد العلم الذي تقرر إعادة الاحتفال به بعد توقف دام 37 عاماً حرصاً علي تكريم العلماء في مختلف المجالات.
قام الرئيس مبارك بتوزيع الجوائز علي الفائزين بجوائز مبارك لعام 2004 والدولة التقديرية لعام 2003 في العلوم الأساسية والعلوم التكنولوجية.. وتكريم أوائل الجامعات المصرية.
حصل الفائزون بجائزة مبارك علي 200 ألف جنيه لكل منهم.. بينما تصل قيمة الجائزة التقديرية إلي 100 ألف جنيه لكل فائز.. بعد أن قرر الرئيس مبارك أمس مضاعفة هذه الجوائز.
ألقي الرئيس حسني مبارك كلمة خلال الاحتفال تناول فيها جهود العلماء وأساتذة الجامعات في إقرار الحياة المجتمعية. وسبل تطوير التعليم العالي والجامعي والبحث العلمي وربطهما باحتياجات سوق العمل وتخريج نوعية من الطلاب القادرين علي إحداث تنمية حقيقية. وتطوير أداء المجتمع.
أكد الرئيس مبارك أن إحياء عيد العلم يأتي في إطار النهج القومي نحو وضع القواعد والأسس الراسخة لبناء مجتمع المعرفة الذي يتطلب تحديث وتطوير المؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة وتفعيل دورها بما يتواءم مع متطلبات المنافسة المعرفية التي يعيشها عالمنا اليوم.
أشار الرئيس مبارك إلي أن الحضارة الفرعونية كانت مهداً لأولي حضارات العالم وأقدمها. مؤكداً أن معالم وآثار تلك الحضارة لا تزال مثاراً لإعجاب العالم وانبهاره مضيفاً أن الحضارتين الفرعونية والإسلامية كانتا أساس نهضة أوروبا والحضارة الغربية المعاصرة.
دعا الرئيس مبارك إلي العمل علي تحقيق نهضة شاملة تتأسس علي العلم. وتقوم علي جد واجتهاد العلماء والباحثين لنضع مصر في مكانتها العلمية اللائقة ونباهي الأمم بدولتنا العصرية المتطورة الجديرة القادرة علي تحقيق آمال وطموحات شبابها وأجيالها الجديدة.
طالب الرئيس مبارك بالاهتمام بالجودة والكفاءة في أداء المجتمع الأكاديمي والثقافي والعلمي واتباع أنماط جديدة متطورة من نظم التعليم والبحث العلمي. وإقامة علاقات شراكة مع الهيئات العلمية والبحثية الدولية للتعظيم من قدراتنا علي التنمية الذاتية للمجتمع الأكاديمي والبحثي.
أشار الرئيس مبارك إلي الاستمرار في دعم استخدام تكنولوجيا المعلومات في العملية التعليمية. وفي تطوير الأداء المدرسي بما في ذلك التوسع في إنشاء المدارس التجريبية والمدارس التجريبية المتميزة ورعاية الموهوبين وذوي الاحتياجات الخاصة. وتطوير أداء المعلم والاهتمام بأوضاعه المادية والاجتماعية للقضاء علي مشكلة الدروس الخصوصية.
فيما يلي نص كلمة الرئيس:
الأساتذة علماء ومفكري مصر الأجلاء
الأبناء الطلاب والطالبات
الإخوة والأخوات
يسعدني أن أتحدث إليكم اليوم في عيد العلم. الذي نعاود إحياءه إعلاء لقيمة العلم. وتقديراً لدور العلماء. وتكريماً لصفوة من أبناء مصر الذين فازوا بجوائز الدولة في العام الماضي. وتشجيعاً لنخبة من النابغين والمتميزين من شباب وفتيات مصر.
ويجيء إحياء عيد العلم في إطار نهجنا القومي نحو وضع القواعد والأسس الراسخة لبناء مجتمع المعرفة. الذي يتطلب منا تحديث وتطوير المؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة. وتفعيل دورها بما يتواءم مع متطلبات المنافسة المعرفية التي يعيشها عالمنا اليوم. والاهتمام بالبحث العلمي والتكنولوجي. وتحديث آلياته بما يفي بمتطلبات مجتمعنا الناهض. الذي يقوم علي الاهتمام المتزايد بالجودة والتميز. لنضيف بذلك إنجازاً جديداً لما حققناه من قبل باستكمال البنية الأساسية اللازمة لإتاحة التعليم للجميع.
فالعلم هو أساس النهضة. وركن أساسي من أركان بناء الدولة العصرية القادرة علي مواجهة تحديات العصر ومستجداته. وعلي الاستفادة من فرصه ومزاياه.. ومجتمع المعرفة هو المجتمع القائم علي الاهتمام بالعلم والعلماء. وعلي استثمار الطاقات البشرية وتوجيهها نحو الاستزادة من العلوم والمعارف. ونحو تعزيز قدرتها علي الابتكار والابداع والبحث والتطوير. في إطار مجتمعي ترعاه الدولة. ويحقق طموحاتنا في مجالات التنمية البشرية الشاملة والمتكاملة.
الإخوة والأخوات
إننا ننتمي إلي حضارة تقدس العلم وتعلي من شأن العلماء. كنا مهداً لأولي حضارات العالم وأقدمها. ولا تزال معالم وآثار حضارتنا مثاراً لإعجاب العالم وانبهاره. كما أسهمنا جنباً إلي جنب مع الحضارة الإسلامية في تحقيق التقدم الإنساني. بمجهودات علماء تميز كل منهم في مجاله. مثل ابن سينا. والرازي. وابن رشد. وابن الهيثم. والفارابي.. وغيرهم ممن جمعوا علوم الحضارات القديمة وطوروها خلال عصور وسطي مظلمة. بدأت بعدها وعلي أساسها نهضة أوروبا والحضارة الغربية المعاصرة.
إلا أننا لا ينبغي أن نكتفي بالفخر بأمجاد الماضي وبالتراث الحضاري الذي تركه لنا الآباء والأجداد. خاصة بعد ما حققته الحضارات الأخري من إنجازات متلاحقة. تستوجب منا المسارعة باللحاق بمسيرة التقدم وامتلاك أدوات الحضارة. وتعزيز قدرة أجيالنا علي التفاعل مع ثورة المعرفة والمعلومات. واتخاذها سبيلاً لتحقيق أهدافنا الوطنية.
ومن هذا المنطلق فعلينا أن نعمل جميعاً علي تحقيق نهضة شاملة. تتأسس علي العلم وتقوم علي جد واجتهاد العلماء والباحثين. لنضع مصر في مكانتها العلمية اللائقة. ونباهي الأمم بدولتنا العصرية المتطورة. الجديرة بأمجاد أسلافها الأوائل وإنجازاتهم. والقادرة علي تحقيق آمال وطموحات شبابها وأجيالها الجديدة.
كما يتطلب ذلك أيضاً نشر ثقافة التميز بالمجتمع. باعتبارها سبيلاً لا بديل عنه للمنافسة في عالم اليوم. وذلك بالاهتمام بالجودة والكفاءة في أداء المجتمع الأكاديمي والثقافي والعلمي. وباتباع أنماط جديدة متطورة من نظم التعليم والبحث العلمي. وإقامة علاقات شراكة مع الهيئات العلمية والبحثية الدولية. تعظم من قدرتنا علي التنمية الذاتية للمجتمع الأكاديمي والبحثي.. وتصل بنا إلي ما نرجوه من اعتراف دولي بإنجازاتنا العلمية وبقدرة علمائنا علي المنافسة دولياً وإقليمياً.
وتتطلب هذه الرؤية العمل علي محاور محددة ومتكاملة. تضع كل المراحل التعليمية في إطار واضح ومترابط. يكفل تخريج أجيال قادرة علي الإسهام العلمي والمعرفي في النهوض بالمجتمع وفي تحقيق طموحات التنمية الشاملة.
ومن هنا فسنستمر في ترسيخ دعائم اللبنة السليمة للعملية التعليمية والتربوية لدي النشء منذ الصغر. بالاهتمام المتزايد بالتعليم المبكر باعتباره الأساس الذي تقوم عليه العملية التعليمية في كل مراحلها التالية. وبالبناء علي ما تحقق من إنجازات في إتاحة فرص التعليم للجميع. والبدء في انطلاقة جديدة. يتم التركيز فيها علي الارتقاء بجودة العملية التعليمية بأفرعها العام والفني والأزهري. وعلي جعلها أكثر تناغماً مع الحركة المجتمعية الفاعلة نحو التحديث والتطوير..
ومن نفس المنطلق سيزداد اهتمامنا بتعزيز اللامركزية ودعم المشاركة المجتمعية في العملية التعليمية. من خلال التوسع في تجارب مبتكرة مثل التعليم التعاوني ومدارس المجتمع ومدارس الفصل الواحد والمدارس الصديقة للفتيات. وتعزيز قدرة المحافظات علي تكييف العملية التعليمية مع الظروف البيئية والمجتمعية. في إطار من الالتزام بالضوابط الرئيسية.
كما سنستمر في دعم استخدام تكنولوجيا المعلومات في العملية التعليمية. وفي تطوير الأداء المدرسي. بما في ذلك التوسع في إنشاء المدارس التجريبية والمدارس التجريبية المتميزة. ورعاية الموهوبين وذوي الاحتياجات الخاصة. بالإضافة إلي تطوير أداء المعلم. من خلال التوسع في برامج تدريب المعلمين والبعثات الخارجية. والاهتمام بأوضاعه المادية والاجتماعية للقضاء علي مشكلة الدروس الخصوصية.
ولا شك أن تطوير المناهج وأساليب التقويم يشكل إحدي الركائز الرئيسية لتطوير التعليم في مصر. وهدفنا أن ننتقل إلي مفهوم أوسع. يتيح للطالب مزيداً من الاختيار بين بدائل مختلفة في إطار منهج واحد. يتفق مع ميوله ويتناسب مع قدراته ويحقق طموحاته. ويضمن في نفس الوقت الربط بين العملية التعليمية والاحتياجات الفعلية للمجتمع.
لذا فلابد من الاستعانة بخبرات العلماء والمثقفين والتربويين للتقييم المستمر لهذه المناهج. والاستفادة منهم في تطوير أساليب التدريس. وفي تحقيق التكامل المنشود بين مجالات المعرفة بما في ذلك المجال التكنولوجي. وفي تخفيف الاختناقات في مراحل الشهادات العامة. وأهمها شهادة الثانوية العامة. التي صارت تمثل عبئاً علي الأسرة المصرية.
ولا يجب أن ينسينا الاهتمام بالتعليم قبل الجامعي التركيز علي قضية محو الأمية. التي تعتبر أحد المعايير الرئيسية لقياس أداء مصر في المجال العلمي. خاصة في تقارير التنمية البشرية الدولية والإقليمية. والاهتمام بالقضاء علي ما قد يواجهها من مشكلات باستخدام كافة سبل المشاركة السياسية والشعبية والمجتمعية. للوصول إلي مجتمع مصري خال من الأمية في إطار من تكامل الجهود بين الدولة والمجتمع.
الإخوة والأخوات
يتطلب تحقيق ما ننشده من ترسيخ لأسس مجتمع المعرفة مزيداً من الاهتمام بالجودة في التعليم العالي. بتطوير الجامعات إدارياً ومالياً. وربط مؤسسات التعليم العالي بالعالم الخارجي. ومضاعفة عدد المبعوثين. وخلق مسارات تعليمية مرتبطة بالجامعات العالمية المتميزة. كما يتطلب المزيد من التوسع في إنشاء جامعات جديدة تغطي مناطق جغرافية أكبر. وتحويل فروع الجامعات إلي جامعات مستقلة.
وفي نفس الوقت. فمن الضروري الاهتمام بتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس خاصة في المجالات التكنولوجية. والتعامل برؤية جديدة مع اقتصاديات تمويل التعليم في مصر دون المساس بالثوابت الرئيسية. وأقصد "مجانية التعليم" حتي لا يساء تفسير هذا المنطق والاهتمام المتزايد بالحياة الطلابية علي نحو يؤكد أن الطالب هو الأساس والمحور للعملية التعليمية. التي يتعين توثيق الرابطة بينها وبين سوق العمل. علي نحو يرسخ من فكر التوجه نحو العمل الحر لدي الخريجين.
واتساقاً مع جهودنا في التطوير المستمر للعملية التعليمية بمراحلها المختلفة. وحرصنا علي الوصول إلي معايير الجودة العالمية في مؤسساتنا التعليمية. فسأحيل في الأيام القادمة إلي مجلسي الشعب والشوري مشروع قانون لإنشاء هيئة مستقلة لاعتماد وضمان جودة التعليم. تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة عن الوزارات المعنية. وتهدف لضمان التقييم والرقابة المحايدة. وستكون رسالتها ضمان كفاءة أداء مؤسسات التعليم الجامعي وقبل الجامعي. من خلال الالتزام بالمعايير الدولية. وصولاً لتمكين أبنائنا من الحصول علي مستويات تعليمية أفضل. تتيح لهم القدرة التنافسية المتكافئة مع نظرائهم في الدول المتقدمة.
الإخوة والأخوات
إن اكتمال مقومات مجتمع المعرفة يتطلب خلق قاعدة أكثر اتساعاً للتفكير والبحث والاجتهاد والابتكار. تهييء المناخ الملائم لاكتشاف المواهب الكامنة في مجتمعنا ودفعها نحو مزيد من التفوق والتميز. من خلال سياسات أكثر تطوراً للبحث العلمي والتكنولوجي. تدعمها منظومة حديثة من المنشآت البحثية. وبرامج جديدة للتميز وتشجيع المواهب. وإدارة اقتصادية للبحث العلمي. تستخدم الاحتكاك الدولي لتحقيق أقصي فائدة لعلمائنا وباحثينا. وللاستفادة من خبرة العلماء والباحثين المصريين المرموقين بالخارج. في إطار قانوني متكامل. يحمي حقوق الملكية الفكرية. ويحقق مصالحنا الوطنية. ويستجيب لتطلعاتنا للتنمية الشاملة.
ولابد لتحقيق ذلك من شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع. في إطار توجهنا الواضح نحو توسيع المشاركة المجتمعية في كافة أنشطتنا التنموية. ليس فقط في مجال تمويل الأنشطة البحثية والعلمية. الذي أثق في قدرة المجتمع علي المساهمة فيه بشكل متزايد. وإنما أيضاً في مجال رسم سياسات البحث العلمي وضمان أن تتفق مع اهتمامات المجتمع في كل مرحلة. فالبحث العلمي لابد وأن يوجه لخدمة أهداف المجتمع التي صارت في تغير وتطور مستمر.
ولذا فعلي المجتمع بكافة فئاته أن يدعم جهود البحث العلمي. وأن يسهم في تمويلها وتوجيهها نحو إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات التي نواجهها في سعينا نحو تطوير كافة أوجه الحياة علي أرض مصر.
يقود ذلك إلي الحديث عن العنصر البشري. الذي اعتبره عاملاً أساسياً في نجاح أي استراتيجية لتطوير البحث العلمي. بما في ذلك الارتفاع بنسبة الحاصلين علي الدكتوراه. والارتقاء بمستواهم العلمي كماً وكيفاً إلي مستوي أقرانهم في الدول المتقدمة. والعمل علي توجيههم نحو تلبية احتياجات قطاعي الإنتاج والخدمات اللذين يحتاج إليهما المجتمع حاجة ماسة لخدمة قضايا التنمية وتوفير متطلباتها العلمية والبحثية.
وفي إطار هذه الرؤية. فإن العلماء والباحثين والمفكرين الذين نكرمهم اليوم يستحقون منا كل الثناء والتقدير. فقد حققوا إنجازاتهم وتفوقهم رغم بعض القصور الذي نسعي للتغلب عليه في إمكانات البحث العلمي والتكنولوجي. وبرهنوا بذلك علي أن علماء مصر قادرون علي تجاوز كافة الصعاب. وعلي تطويع الإمكانات المتاحة لتحقيق الإنجاز المنشود. وقدموا بذلك القدوة الصالحة لشباب مصر ولأجيالها القادمة.
الإخوة والأخوات
إن تكريمنا اليوم للفائزين بجوائز الدولة العام الماضي. ولأوائل الخريجين من الجامعات هذا العام. إنما يجسد تقدير مصر للعلم والعلماء. وللنابغين والمتميزين من أبنائنا وبناتنا.
ولا شك أن هذا التكريم ما هو إلا دعوة لمزيد من الجهد والعمل.
دعوة لكم جميعاً لبذل المزيد من الجهد لتوظيف ما وصلتم إليه من علم ومعرفة لتحقيق الأهداف التنموية للمجتمع.
ودعوة لغيركم من العلماء والباحثين والمفكرين والطلاب لمزيد من التميز والابتكار والخلق والابداع.
ودعوة للمجتمع بكل فئاته لمزيد من المشاركة في دعم العملية التعليمية بمراحلها المختلفة. وفي دعم البحث العلمي والتكنولوجي.
ودعوة لشباب مصر الواعد وعماد مستقبلها للإسهام في رسم رؤي عملنا الوطني والمشاركة في تنفيذها.
وكلي ثقة أن هذه الدعوة ستلقي صداها وستؤتي ثمارها. وأننا سنشهد تحركاً واعياً من كل فئات المجتمع نحو اكتمال بناء مجتمعنا المعرفي المتطور. وأننا سنحتفل بإذن الله في الأعوام القادمة بأعداد متزايدة ممن حققوا المزيد من التميز والإبداع. وممن أسهموا وسيسهمون في بناء مصرنا المعاصرة التي ستظل دائماً منارة مضيئة للفكر والعلم والحضارة.
أدعو الله عز وجل أن يوفقكم في القيام برسالتكم. وأن يوفقنا جميعاً لتحقيق طموحات وآمال شعب مصر العظيم.
والله الموفق والمستعان
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.